عبد القادر الحضري : قادة "الاتحاد" عارضوا حرب الرمال بين المغرب والجزائر
إسماعيل عزام الثلاثاء 31 دجنبر 2013 - 07:20
فرّ على الدوام من عدسات الكاميرا واستجوابات الصحافيين، لدرجة أن اسمه نادرا ما تواجد في صحيفة مغربية حتى وهو من بين المؤسسين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، النقابة الوطنية للتعليم. الرجل الذي رافق مجموعة من كبار الشخصيات المغربية، وكان بمثابة علبة أسرار الراحلين الفقيه البصري ومحمد عابد الجابري، قبِل أخيرا أن يدلي بشهادته على عدة أحداث مهمة عايشها وكان شاهدا عليها، كي يساهم في إنارة بعض الدروب المظلمة من التاريخ المغربي الحديث، وبالضبط تلك الفترة الحرجة التي استمرت من سنوات الاستقلال إلى تجربة التناوب التوافقي
عبد القادر الحضري، الأستاذ الجامعي المتقاعد، الذي قرر أخيرا الانزواء في منزله بالحي الحسني الدار البيضاء عوض أن يبقى فاعلا في حزبٍ كثُرت ضده الانتقادات، يتحدث في هذا الحوار الحصري الذي تنشره هسبريس على حلقات، عن الأسباب الذي جعلت الحسن الثاني يسقط حكومة عبد الله إبراهيم، وكيف "خان" الاتحاد المغربي للشغل ثقة المنضوين تحته، عارجا على الخلافات الكبيرة التي وقعت بين قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم على اغتيال المهدي بنبركة، فظروف تشكيل الاتحاد الاشتراكي، وعدة أحداث مهمة أخرى في إطار ما يُعرف بسنوات الرصاص
(الجزء الخامس)
كيف تمّ التمهيد لِما عُرِف بمؤامرة "يوليوز 1963" والتي نال من خلالها بعض قياديي "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" أحكاما بالإعدام؟
الأسلوب الذي خاضت به المعارضة الاتحادية الحملة الانتخابية البرلمانية لسنة 1963 التي لم تكن تبتعد سوى بأشهر قليلة عن الاستفتاء على الدستور، والشكل الذي استجابت به الجماهير لقيادة الاتحاد، أمور زادت الحاكمين اقتناعاً بأن الحل الوحيد الممكن هو تصفية هذا الحزب، حيث لم تزد أساليب القمع والتهديد قيادات الحزب سوى إصراراً على مواصلة الطريق لفضح الحاكمين وإرباك مخططاتهم في معاكسة الطموحات الجماهيرية
وهكذا ففي الوقت الذي كانت فيه جميع المؤشرات توحي للمناضلين والأجهزة الحزبية المسؤولة بعزم الحكومة على تزوير الانتخابات الجماعية أكثر ممّا عرفته الانتخابات البرلمانية، كان واضحاً أن القناعات تصب في اتجاه مقاطعة الانتخابات. لذلك وبينما كان المجلس الوطني للحزب الاتحادي مجتمعاً بمقر الحزب بالدار البيضاء، حاصر رجال الأمن المقر حتى لا يفلت أحد من الحاضرين المشاركين في أشغال المجلس، وعند الانتهاء واتخاذ قرار المقاطعة، وقع هجوم رجال الأمن واعْتُقل الجميع، ليُقتادوا لكوميسارية المعاريف
ومن خلال طبيعة الأسئلة التي وجّهها أصحاب الاستنطاق، تبين أن أساس التهمة هو ادعاء الأمن بوجود أسلحة في كهف البناية التي يتواجد بها المقر، يريد قياديو الحزب توزيعها على الحاضرين. وقد كان واضحا زيف التهمة وفجاجة المؤامرة، لأنه تبين في ما بعد أن الغرض الحقيقي كان توزيع العقوبات بحسب درجة "سخونية الرأس"
هل تم تعذيب المعتقلين؟
نعم، نال كل من تم اعتقاله نصيبه من العذاب والتنكيل، ولم يكن نصيب ممثلي الفروع في الجهات النشطة على امتداد الوطن أقل ضراوة وتنكيلا، وسيشهد المغرب طولا وعرضا أساليب جديدة من التعذيب لم يسبق أبدا أن عرفها المغاربة، فقد كان واضحا رغبة الدولة في تصفية الحزب بشكل تام، لأن بعض القياديين في الحزب تم الحكم عليهم بالإعدام ومن بينهم الفقيه البصري، في وقت تم إطلاق سراح آخرين بالتزامات وشروط تتخلص في القطع نهائيا مع الحزب، وهو ما لم يقع
في نفس السنة التي عرفت "مؤامرة يوليوز"، شهد المغرب حدثاً كبيرا يتعلق ب"حرب الرمال" مع الجارة الجزائر، ألم تكن علاقات قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع الجزائر من أسباب التضييق عليهم؟
لاستعاب طبيعة هذه الحرب وأهدافها وخلفياتها، لا بد من استحضار المناخ العام والظروف والملابسات القريبة والبعيدة منها، فالمرحلة كان يتداخل فيها المحلي والجهوي والعربي والكوني، بالإضافة إلى أنها كانت مرحلة الصراع الإيديولوجي بما عرفته من تجاذبات بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي
وبالتالي، لم يكن يخفى التوجه التحرري الاشتراكي للمعارضة في المغرب، والعلاقات الوطيدة بين عناصر من قيادات المعارضة المغربية بعناصر من قيادات الثورة الجزائرية، حيث كان الاتحاديون يعتبرون البلدين وطناً واحداً، فقد كان بنبركة ورفاقه (البصري، اليوسفي، عبد الله إبراهيم، بوعبيد...) يحرصون على دعم ثورة الجزائريين، ويرون أن لا استقلال للمغرب دون خروج آخر جندي فرنسي من الجزائر. ومع تزايد الحساسية بين النظامين المغربي والجزائري على خلفية الحدود، استمرت العلاقة الطيبة بين قياديي المعارضة المغربية والكثير من رجال ونساء الحركة الوطنية بالجزائر
أكيد أن المغرب كانت لديه مطالب مشروعة في استرجاع أراضي ضمّها المستعمر للجزائر اعتقاداً منه بأبدية وجوده في هذا البلد، إلا أن قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كانوا يرون في تلك الحرب خطأً من الجانبين وبالضبط من المغرب الذي بدأ الهجوم على جيشٍ جزائري كان ضعيفا في تلك الفترة، وهذا هو ما جعل اللآلة الإعلامية الرسمية بالمغرب تنظر لقادة الاتحاد على أنهم خونة ومساندين للجزائر، في حين أنهم كانوا على بيّنة من أن تلك الحرب، لم تكن لتخلّف سوى جروح غائرة بين البلدين، في وقت كان من الممكن حل المشكل بالحوار
إسماعيل عزام الثلاثاء 31 دجنبر 2013 - 07:20
.
Commentaire