Al Othmani et les inquiétudes de Madrid ... et l'Algérie qui perturbe le ''blocus'' de Ceuta et Melilla
"العثماني" وقلق مدريد.. وكسر الجزائر لحصار سبتة ومليلية
عبد الرحيم التوراني
02 يناير 2021
تكاد تكون قضية الاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية من القضايا المنسية، والتي نادرا ما تتم إثارتها كقضية احتلال استيطاني، إذ ظلت منذ قرون من أبرز القضايا العالقة من عهود الاستعمار القديم.
ورغم أنه لم يسبق أن تمت إحالة قضية سبتة ومليلية على اللجنة الخاصة بإنهاء الاستعمار في الأمم المتحدة، المعروفة باسم "اللجنة الرابعة"، وكون الأمم المتّحدة لا تعترف بالمدينتين كمنطقتين محتلَّتَين، لم يتخلَّ المغرب في أي مرحلة عن إعلانه أن المدينتين مجتزأتان من التراب المغربي، وظل يرفض الاعتراف بالأمر الواقع لصالح إسبانيا.
تصريح يشعل نيران غضب إسباني
في نهاية السنة التي ودعناها قبيل أيام، عادت قضية سبتة ومليلية، المدينتين الواقعتين على ساحل البحر الأبيض المتوسط، إلى واجهة الأخبار، إثر مقابلة تلفزيونية خصها رئيس الوزراء المغربي د. سعد الدين العثماني لإحدى القنوات العربية. وكان الأبرز في المقابلة هو تصريح العثماني نية المغرب فتح ملف المدينتين مع إسبانيا بعد حسم قضية الصحراء، لإنهاء ما يزيد عن خمسة قرون من الاحتلال.
مباشرة بعد هذا التصريح المثير، جاء الرد سريعا من مدريد، غضب واحتجاج عارم شمل الحكومة والأحزاب الاسبانية، ورافقته تحركات فورية، أولها استدعاء السفيرة المغربية بمدريد، السيدة كريمة بنيعيش، من قبل مصالح الخارجية الإسبانية لإبلاغها امتعاض واستياء مدريد من تصريحات العثماني ومطالبتها بتقديم توضيحات في الموضوع.
وكانت فرصة سانحة للأحزاب والحركات اليمينية الإسبانية للهجوم على الحكومة اليسارية التي يقودها الاشتراكي بيدرو سانشيز والمزايدة عليها كي تقوم برد فوري وقوي "ضد من لا يحترمون سيادة ووحدة أراضي إسبانيا".
ويمكن اعتبار تصريح النائبة الأولى لرئيس الحكومة الإسبانية السيدة كارمن كالفو، تصريحا يلخص مجمل الردود الاسبانية على اختلاف مستوياتها، حين قالت إن بلادها "ترفض الخوض في ملف سبتة ومليلية". وأن "المدينتين إسبانيتين"، وأكدت كارمن كالفو أن "الرباط تعرف هذا جيدا"، و"لن تناقش الحكومة الإسبانية هذا الموضوع ولا أحد سيناقشه في هذا البلد".
إلا إن السفيرة المغربية بنيعيش خرجت بتصريح حاسم وأكدت: "إنه لم يطرأ أي تغيير على موقف المغرب في ما يتعلق بسبتة ومليلية ولا نعترف بالسيادة الإسبانية على المدينتين ونعتبرهما محتلتين".
وعلى إثر هذا التوتر الطارئ، تم تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة للبلدين بالرباط في السابع عشر من ديسمبر 2020، بحضور رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز. وألصق التبرير بالوضع الوبائي.
لماذا تؤيد الجزائر الاستعمار؟
جاء هذا التطور اللافت غداة ما أعربت عنه إسبانيا من انزعاج واضح من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعترافه بمغربية الصحراء. وقد ترجمت الدبلوماسية الإسبانية هذا التوجس بالتحرك السريع والتواصل مع الفريق القادم إلى الرئاسة الأميركية بقيادة جو بايدن، بهدف كسب تجميد الاعتراف الأميركي المشار إليه والتراجع عنه.
ويرى مراقبون أن استمرار قضية الصحراء الغربية غاية كبرى تسعى إليها اسبانيا، إذ إن إطالة عمر النزاع الصحراوي أكثر مما مضى، هو أمر يشغل المغرب عن الالتفات إلى الشمال وتطلعه لاسترجاع سبتة ومليلية الموجودتين تحت السيطرة الإسبانية من قرون.
المغاربة يؤاخذون جارتهم الجزائر الشقيقة خروجها عن الإجماع العربي في قضية سبتة ومليلة، ويقولون إن جنرالات الجزائر لا يفوتون الفرصة للتدخل في المدينتين والجزر الجعفرية بوقوفهم إلى جانب المحتل الإسباني
بموازاة هذا التوتر بين المغرب وإسبانيا، طفت على السطح مسألة العلاقات المغربية الجزائرية، وهي العلاقات المتوترة منذ اندلاع حرب الصحراء سنة 1975، ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء.
ومن المعلوم أن منظمة جامعة الدول العربية منذ نشأتها، أعربت دائما عن تأييدها الكامل لمغربية المدينتين، وظلت تؤكد على احترام حقوق المغرب العادلة فى استرجاع سبتة ومليلية. وجاء في خلاصات بياناتها أن الجامعة تتطلع باستمرار "أن تتم تسوية القضية بالحوار الدبلوماسي والطرق السلمية فى إطار العلاقات القائمة بين البلدين وإحكام معاهدة الصداقة وحسن الجوار التى تحكم العلاقات بين البلدين الجارين بما يخدم مصلحتهما ويعزز العلاقات التاريخية بين إسبانيا والعالم العربي".
لكن المغاربة يؤاخذون جارتهم الجزائر الشقيقة خروجها عن الإجماع العربي في هذه القضية، ويقولون إنه بالإضافة إلى تدخل الجزائر في الصحراء الغربية، ودعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية، لا يفوت جنرالات الجزائر الفرصة للتدخل في قضية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية بوقوفهم إلى جانب المحتل الإسباني.
الجزائر وكسر الحصار
ومن جهة أخرى، نشرت مؤخرا تقارير صحفية مغربية تحدثت عما سمته بـ"إحباط الداخلية في المغرب، مع جمعيات مغربية وشخصيات إسبانية لتحركات الاستخبارات العسكرية الجزائرية لطمس هوية ومعالم مدينة مليلية المغربية".
في هذا الصدد تحدثت مصادر صحفية مغربية عما وصفته بـ"التصدي لمخطط إطلاق خط بحري جديد بين مليلية المحتلة وميناء "الغزوات" الجزائري (على مسافة 60 ميلا بحريا في اتجاه الشرق)، بهدف التخفيف من وطأة الحصار التجاري المغربي على مليلية.
وكان فيكتور جاميرو، رئيس ميناء مليلية، أعلن في السابق عن خطط لاستقبال رحلات تجارية بحرية من الجزائر ستبدأ بالشروع في إنشاء خط بحري تجاري جديد يربط مليلية بالجزائر. وهو المشروع الذي يأتي لـ"فك الحصار المغربي على المدينة المحتلة"، وردا على قرار المغرب وضع حد لعمليات "التهريب المعيشي" ومنع دخول السلع إلى إقليم الناظور عبر المعابر الحدودية ببني انصار، في إطار مراجعة وتصحيح وهيكلة المغرب للنشاط الاقتصادي التهريبي الممارس بكل من جوار مليلية وسبتة. غير أن انتشار وباء كورونا كان عائقا أمام استكمال المشروع الذي يتردد أنه سيستأنف العمل في إنجازه مع بداية العام الحالي.
وقد ظل اليمين المتطرف الإسباني ينبه الطبقة السياسية في بلده إلى المخاطر الناجمة عن القرارات الاقتصادية المتخذة من قبل المغرب منذ سنة 2019 بإلغاء الجمارك التجارية وإنشاء منطقة اقتصادية بمدينة الفنيدق على مقربة من البوابة الحدودية، كلها تصب في خانة "الحصار الاقتصادي" للمدينتين في سبيل استرجاعهما، مستشهدين أيضا بقرار إغلاق الحدود البرية الذي اتخذته الرباط في 13 مارس 2020 بسبب جائحة كورونا.
ونشرت يومية "الصباح" التي تصدر من الدار البيضاء معلومات وصفتها بـ"الدقيقة" من مليلية المحتلة، خاصة عزم الجزائر فتح قنصلية جزائرية ضمن "مخططات تهدف سحب البساط من الوجود المغربي عن طريق عمليات التغيير الديموغرافي للسكان الأصليين". وأن حملة مغربية مضادة للمخطط الجزائري انطلقت "للحفاظ على الهوية المغربية بمليلية المحتلة، شاركت فيها بعض الجمعيات، إضافة إلى رجال أعمال وتجار هددوا بشل الحركة الاقتصادية للمدينة، في حال الاستجابة لطموح جنرالات الجزائر". وأضافت الصحيفة أن الحملة المغربية نجحت في إقناع حاكم المدينة الإسباني، ورئيس هيأة الموانئ بالمدينة المحتلة بالعدول عن التعامل مع الجزائريين، بل "إن مبعوثي استخبارات الجارة الشرقية فوجئوا بأن العمارة التي كانت ستخصص مقرا للقنصلية تراجع مالكها عن كرائها".
من جهة أخرى أوضح التقرير المشار إليه، أن علاقات الإسبان بالجزائر في مدينة مليلية "بلغت أوج ازدهارها، إذ لم يعد يقتصر على المعاملات الاقتصادية، بل امتد إلى الإشراف الديني، خاصة مع الصراعات الخفية وانحياز "الجماعة الإسلامية النور" إلى الطرح الجزائري، والتذمر من بعض الإجراءات، وهو ما استغله الجزائريون في رفع عدد الزيارات وربط علاقات ولقاءات هدفها زيادة التبادل التجاري، ورغبة الإسبان في فتح أسواق جديدة، بعيدا عن محيطي سبتة ومليلية، ولو استدعى ذلك فتح المجال أمام الجزائريين والسماح بدخولهم مدينة مليلية من دون الحصول على التأشيرة، كما هو معمول به مع ساكنة مدينتي الناضور وتطوان، حسب ما تناوله بعض المقربين من دائرة صنع القرار في مليلية المحتلة".
وهو ما اعتبر تصعيدا جديدا من طرف الجزائر في نزاعها مع المغرب، واستمرارا لحدة الصراع بين البلدين الجارين في الجنوب الصحراوي. وهو صراع شامل يتعدى كل الحدود والضوابط.
وقد استرجع هذا السلوك ما سبق وجرى قبل حوالي عقدين، في ما يعرف بـ"أزمة جزيرة ليلى" عام 2002، حيث أيدت الجزائر الدولة الإسبانية، وسجل بذلك النظام الجزائري، خلال هذه الأزمة، اسمه الوحيد في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، بمساندته إسبانيا ضد المغرب.
وكانت الخارجية الجزائرية آنذاك، اعتبرت (أن "احتلال" المغرب للجزيرة يعتبر أكبر دليل على أطماعه التوسعية في الصحراء). وهو ما شجبه وندد به جزء هام من الشعب الجزائري.
لقد أثار هذا الموقف الذي تعاملت به الجزائر مؤخرا مع الخلاف المغربي-الإسباني نفس الامتعاض والتنديد الذي خلفه موقفها إزاء "أزمة جزيرة ليلى".
للإشارة، فإن الجزائر، غالبا ما دعت المغرب في جدالهما السجالي ومزايداتها ضد المغرب، إلى تحرير سبتة ومليلية بدل "سياسة التوسع والاستيلاء على الصحراء".
قلق ومخاوف يتواجد داخل المؤسسة العسكرية الإسبانية، من صعود الجيشين الجزائري والمغربي إلى مراتب القوى العسكرية الضاربة في منطقة البحر الأبيض المتوسط
مخاوف من سباق التسلح
إذا كان استمرار الصراع ما بين المغرب والجزائر فيه نفع وربح للجانب الإسباني، فإن في تفاصيله الشيطانية تكمن مخاطر غير خفية ليست في صالح إسبانيا، بل تقوي من توجسات ومخاوف أحزابها اليمينية بالخصوص. وهو الجانب المتعلق بالسباق نحو التسلح بين البلدين الجزائر والمغرب. إذ يحذر بعض أقطاب الطبقة السياسية في مدريد من تفوّق عسكري وشيك من شأنه تهديد أمن واستقرار إسبانيا. وأن الأمر يتطلب رفع ميزانية التسليح ودعم العلاقة مع الولايات المتحدة لمواجهة التسلّح الجزائري والمغربي.
قلق ومخاوف يتواجد داخل المؤسسة العسكرية الإسبانية، من صعود الجيشين الجزائري والمغربي إلى مراتب القوى العسكرية الضاربة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ومن أن يتحول المغرب بتوطيدعلاقته مع الولايات المتحدة الأميركية وتطبيعه مع إسرائيل، إلى الصف الأول ضمن جيوش القارة الأفريقية. وهو أمر خطير بالنسبة لإسبانيا إذا ما وجدت نفسها أمام مغرب يتجه بحزم إلى استرجاع سبتة ومليلية اللتين تعتبرهما إسبانيا جزءا من ترابها ووحدتها الجغرافية وسيادتها التي لا يمكنها التراجع عنها.
وسبق للمغرب، قبل خمسة واربعين سنة، خلال عهد الحسن الثاني أن تقدم بطلب معزز بالوثائق التاريخية والدبلوماسية إلى الأمم المتحدة يخص مغربية سبتة ومليلية. ولا شيء يمنعه من إعادة المحاولة وطرحها على المنظمة الأممية من جديد.
الإسلاميون يطمئنون قلب مدريد!
يستبعد عدد من المحللين السياسيين توجه المغرب حاليا إلى المجتمع الدولي للمطالبة باسترجاع سبتة ومليلية، وأنه حتى الآن ملتزم بالقنوات الدبلوماسية كوسيلة وسبيل لذلك، وأن ما يراكمه المغرب من توفيق في نشاطه الدبلوماسي بخصوص الصحراء سينير طريقه ويمهدها صوب استرجاع سبتة ومليلية، خصوصا وأن حقائق الجغرافيا والأرض تتوازى مع حقائق التاريخ والهوية والوجود، التي لن تصمد أمامها أية دفوعات أو حجج يقدمها الجانب الإسباني.
وبالعودة إلى موقف حزب العدالة والتنمية، الإسلامي، الذي يقود التحالف الحكومي في المغرب منذ عقد من السنوات، فقد سبق لأمينه العام ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران أن طمأن الإسبان من خلال تصريحه: "إن الوقت لم يحن بعد للمطالبة باسترداد مدينتي سبتة ومليلية"، وطالب من مختلف الفرقاء السياسيين في البلاد الابتعاد عما وصفه بـ"المزايدات السياسية" في هذه القضية، مشيرا إلى أن إسبانيا شريك اقتصادي مهم للمملكة.
ولعل عبد الإله بنكيران كان ينهل من معين تخلف علماء الدين في المغرب بعدم خوضهم في الموضوع وإصدارهم لفتوى تخص احتلال سبتة ومليلية وباقي الثغور المغربية المحتلة.
لذلك يعتقد بعض المتتبعين أن "خرجة" العثماني في قناة "الشرق" لم تكن مجرد زلة لسان، وإن كان لا يجادل مغربيان في مغربية سبتة ومليلية، ولكنها منظمة ومفكر فيها، بل نكاد نجزم أنه موحى بها للعثماني، فالمعلوم أن السياسة الخارجية لا تدخل في مجال صلاحيات العثماني، بل هي شأن سيادي يعود للسلطات العليا بالبلاد، أي للملك. وأن إثارة قضية سبتة ومليلية في هذه الظرفية، هي مجرد تغطية على التطبيع وتجييش الرأي العام في المغرب، أكثر منها رغبة وإرادة حقيقية يمكن التعامل معها بنفس القلق والتوجس الذي عم الطبقة السياسية في مدريد. مدريد التي نظن أنها تعرف المغرب جيدا. وهي تعرفه حقا. لكن دقات قلب مدريد ترتفع وتختل كلما لوَّح المغرب بإشارة استرجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية التي تسيطر عليها إسبانيا.
alhurra
Commentaire