هل تعتبر أن مرحلة الملك محمد السادس تمثل قطيعة مع عهد الملك الراحل الحسن الثاني؟
أتذكر أن المغرب تحت حكم الحسن الثاني كان عبارة عن نظام شمولي، فالمعارضون كانوا يسقطون في عالم مظلم، مع سريان التعذيب، فضلا عن الأموال التي تم جمعها على غرار ما قام به نظام موبوتو؛ حيث كان نظام اقتطاع العشر سائدا على كافة النشاطات، في وقت سجل تفقير للطبقات الشعبية· وقد كانت الأنظمة الفرنسية سواء من اليمين أو اليسار تدعم مثل هذه الممارسات· وبعد وفاة والد الملك محمد السادس، طرحت سؤالا هل تستمر نفس الممارسات التعسفية؟
وفي الواقع أن عهد الملك محمد السادس لا يمثل إلا استمرارية لنظام العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، ولكن بأسلوب آخر· فالمرحلة الانتقالية من الحسن الثاني إلى ابنه حضّرت بمساهمة من اليهود·
كيف تقيمون الإصلاحات والتحوّلات السياسية التي يعرفها المغرب؟ ولماذا لم يعد أحمد رامي إلى المغرب على غرار معارضين آخرين؟ ما هي حدود دور الجيش، بعد التغييرات التي مست أبرز الوجوه من بينهم حميدو لعنيقري والجنرال قاديري؟
لقد اتّبع الملك محمد السادس نفس مسار والده وأجداده من الأسرة الملكية العلوية· لقد بدأ الحسن الثاني عهده بخطابات جميلة تربوية، ولكن في الواقع لم يقوما إلا بتدعيم سلطة شمولية فردية· أما الانتخابات والبرلمان والأحزاب، فإنها واجهة لتبييض وجه النظام· فالملك يحتفظ بكافة السلطات الأساسية للدولة الدفاع والداخلية والشؤون الخارجية الخ··· ولم يترك للبرلمان إلا صلاحيات شكلية، بل أن الوزير الأول لا ينحدر من الحزب الفائز بالانتخابات· أما الطبقة السياسية، فقد تم تدجينها· وعليه فإننا نبقى في حلقة مفرغة مع الانتقال من نظام لآخر·
و أعتبر أن النظام القائم لا يعبر عن إرادة الشعب بقدر ما يمثل مصالح القوى المسيطرة سواء من اليهود أو القوى الدولية· لكننا بحاجة إلى نظام ديمقراطي مختار ومنتخب مباشرة من الشعب؛ فالديمقراطية لا تنطبق مع النظام الشمولي والإقطاعي المبني على مبدأ تجاوزه الزمن، ويتمثل في توريث الحكم·
فالشرعية لا يمكن نقلها بالتوريث أو الوراثة· وفي الواقع نحن بحاجة إلى ثورة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية حقيقية، كما ذكرته في رسالتي إلى الملك محمد السادس:'' والواقع أن الأزمات الاجتماعية باتت أولوية الأولويات· لأنه في كـنـفها لم يـعـد ثمة فـائـدة تـرتجى من أي إجراءات ديمقراطية، أو محاولات لتوسيع المشاركة الشعبية وتفعيل المجتمع المدني· ولذلك فلا بد من البدء بإصلاح هذه الأوضاع، إصلاحا جذريا ينحو منحى الـثـورة لـتـغـيـيـر الخريطة الاجتماعية وتعديل تضاريسها وتشكيلاتها، وتقليص الفجوة الطبقية، ومكافحة الفساد، وإعادة بناء الأواصر التي تربط بين المواطن وبلده وبين الحاكم والمحكوم، وبين الإدارة والمجتمع، وبين الفئات الاجتماعية بعضها ببعض·· كل ذلك قبل إجراء انـتخابات، أو إصدار تشريعات جديدة لتنظيم الممارسات والأنشطة النقابية والبلدية والمحلية والحزبية والديمقراطية··· الخ·
لقد أدت الرزايا السابقة لتحويل الشعب المغربي إلى أسراب من المهاجرين، وأمواج من اللاجئين الباحثين عن أي بلد آخر ليعيشوا فيه متخلين عن جـذورهم وانتمائهم في وطنهم الأصلي· ولا يعقل أن تصبح صورة الشباب المغربي ـ الذي يشكل ثلاثة أرباع إجمالي سكانه ـ على ذلـك الـنحو·'' أما لماذا لم أعد إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، فإنه راجع لاعتقادي أنه لا يوجد في المغرب بعد ديمقراطية ودولة قانون تضمن الحق في الحياة والأمن لكافة المواطنين· رغم الدعاية والمظاهر، فان المغرب سجن كبير· لقد قام الملك محمد السادس بإطلاق سراح عدد من السجناء لتعويضهم بسجناء آخرين· وهناك قوى لا تزال تسير البلاد، فالجنرال لعنيقري وقاديري، إضافة إلى ادريس البصري، ليسوا رجال دولة، بل منفذين لسلطة الملك· وهذه الخاصية هي التي أهلتهم لكي يكونوا ضمن المخزن، إذ لم يكن لهؤلاء تأثير في الجيش· أما عن الجيش بعد محاولتي الانقلاب لسنتي 1971 و1972، وبعد مقتل الجنرال دليمي، فإن النظام لم يعد يثق في الجيش· لذلك تم إضعافه وتتم مراقبته عن قرب· وما هو مؤكد أن الأسس التي يتشكل بها الجيش سواء في المغرب أو الجزائر أو تركيا ليست منقطعة عن الشعب، وتمثل نفس التيارات السياسية والأيديولوجية التي تتواجد بالمجتمع· والتجربة في المغرب بينت أن الملكية، حتى وإن كانت دستورية، فإنها تتعارض مع الإسلام والديمقراطية والعصرنة·
طرحتم في كتاباتكم سؤالا حول من يحكم المغرب ، هل توصلتم إلى نتيجة؟
منذ اعتلاء النظام العلوي للحكم بمساعدة القوى الاستعمارية، فان الأجانب يسيرون البلاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة· ولم نعرف إلا انتقالا واحدا من الاستعمار إلى الاستعمار الجديد، فحينما شعر أجداد الملك بخطر الثورة في 1911 و1912 طلبوا مساعدة الأجنبي· ومن هنا جاء لفظ ''الحماية'' وبعد مقاومة دامت 40 سنة، تمت الاستعانة بالأجنبي مجددا بعد .1956 لقد نجح اليهود في تقسيم العالم العربي الإسلامي إلى كيانات صغيرة ويهدفون اليوم إلى تقسيمها مجددا إلى دويلات وكيانات مجهرية سهلة السيطرة والتلاعب بها وابتلاعها·
كيف تقرأون قرار الأمير مولاي الرشيد مغادرة المغرب؟ وماذا عن مواقف الأمير مولاي هشام ومواقف وزير الداخلية السابق ادريس البصري ؟
النظام الملكي يشكل عقبة في وجه الحرية والاستقلال· والملك هشام ينتمي لنفس النظام· واعتبر أن إسرائيل واللوبي اليهودي يعتقدون بأنهم بحاجة إلى حصان طروادة في المغرب وهم يحاولون تحضير هذه الشخصية الذي يعتبر من بين أصدقاء بيرنار كوشنار كبديل· أما البصري فإنه كان يمثل شرطيا للنظام والأهم ليس من يحكم البلاد، بل كيف يحكم فالديمقراطية والحرية يجب أن يحددا لا كمحتوى ولكن كمنهج؛ أي كقواعد للعبة الديمقراطية محددة بدستور يصاغ من قبل مجلس تأسيسي منتخب بصورة حرة ومباشرة من قبل الشعب· كما يتعين فتح محتويات البرامج السياسية والإيديولوجية للحكومات على التغيرات والنقاشات والاختيارات الأخرى، حسب إيديولوجياتهم ليختار المواطنون من خلال انتخابات حرة برامجهم وممثليهم· وبالتالي تطبيق هذه البرامج·
عودة إلى الوراء·· هل ندمتم على مشاركتكم في محاولتي الانقلاب ضد العاهل المغربي الملك الراحل الحسن الثاني خاصة؟
كل ما ندمت عليه اليوم هو أنني لم أنجح في قلب النظام ولم أستطع القيام بالمزيد من أجل الحرية وكرامة شعبنا· فقبل التحاقي بالأكاديمية العسكرية بمكناس في 1966 لأصبح ضابطا، كنت نشطا في صفوف الحركة الناصرية ·
وحينما كنت أستاذا في ثانوية محمد السادس وفاطمة الزهراء ما بين 1963 و1965 تم توقيفي وتعرضت للتعذيب لأنني تظاهرت ضد النظام · وبالتالي فإن هدفي الأساسي الذي ظل سرا حينما أصبحت ضابطا لم يكن تحقيق مسار عسكري بقدر ما كان محاولة قلب النظام الملكي·
تركزون على الدور اليهودي في صناعة القرار ، ولكن هنالك من يعتبر أن ذلك مبالغ فيه · فما رأيكم في ذلك ؟ والى أي مدى ينطبق ذلك في المغرب؟
حينما كنت في المغرب لاحظت بأنه بالإمكان انتقاد كل شيء إلا الذي بيده السلطة الفعلية: الملك· وحينما وصلت إلى السويد اكتشفت بأنه بالإمكان انتقاد الكل إلا من بأيديهم السلطة الفعلية: اليهود، فخلال عملية استنطاق أمام الشرطة بالدار البيضاء عام 1964 حينما تظاهرت ضد الملك، قال لي أحد أعوان الأمن ''هل تعتقد نفسك في السويد؟'' ولكن الآن أنا في هذا البلد فأحيانا هناك في الدساتير والقوانين حرية التعبير بشرط عدم استخدامها· وهناك أشخاص يدافعون عن حرية التعبير دون ممارستها عن خوف وبفعل الرقابة الذاتية· أما عن دور المستشارين اليهود للملك، فإنه يجب التذكير بأن القرارات والخطابات تحضر بطريقة أو بأخرى من قبل أندري أزولاي· وقد أوردت مجلة جون أفريك خلال زيارة الملك لفرنسا بأنه أعاد في المساء نفس الخطاب الذي قدمه أندري أزولاي في ندوته الصحفية في الصباح·
يشهد المغرب بروز تنظيمات مسلحة وأحداثا دامية، ما هي قراءتكم لهذه الأحداث؟
حينما تغيب الديمقراطية، ويفتقر النظام للشرعية الشعبية، وحينما تتصرف الدولة كقوة محتلة وتتعامل بردود أفعال أمنية، فإن هنالك شعورا بالاحتلال· وبالتالي يولد ذلك مقاومة· فالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ينذر بالانفجار في أية لحظة، ولا ينقص سوى الصاعق· والمسؤولون عن ذلك هم من تسببوا في إيجاد مثل هذه الظروف· فالمنفذون لتفجيرات 11 مارس لم يكونوا إلا صواعق وضحايا· فإذا عاشت السويد نفس الظروف، فإنها كانت ستواجه نفس المشاكل· إذن ما عايشناه في الدار البيضاء في 11 مارس 2007 لم يكن إلا أعراضا من بين أعراض أخرى للأزمة التي تعاني منها، وبدلا من التطرق للداء فإن السلطة تحاول استغلال الحادث لتحويل الأنظار· إن أمتنا الإسلامية معرضة للاعتداء والإهانة المستمرة من الغطرسة والاحتلال اليهودي، في وقت تعاني الشعوب الظلم والعنف من قبل ديكتاتوريات في خدمة الأعداء· فنحن محتلون في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان والصومال، بينما باقي الشعوب تعيش في معتقلات كبيرة· وهم محتلون سياسيا· لذلك فان المشكل يكمن في الأنظمة الشمولية التي تمثل موطن الداء· وأمام هذا الوضع، فإن الشباب لا يرى مخرجا ووسيلة ديمقراطية متحضرة للتغيير· فهذه الأنظمة تمارس أيضا إرهابا على الشعوب التي لا تمثلها· وما يدهشنا هو غياب روح المقاومة والتحدي لدى المجتمعات المدنية· وفي غياب الحرية، فإن مجتمعاتنا أضحت مثل الجثث الهامدة· أما في الإعلام المحسوب على الأنظمة، فإنها تطور نفاقا يرى العالم على غير حقيقية·
ما هي قراءتكم لكتاب ''ضباط صاحب الجلالة'' من أن قادة في الجيش المغربي استغلوا مرحلة من مراحل الحرب في الصحراء لمضاعفة نشاطاتهم في تجارة السلاح والمخدرات؟
حتى قبل حرب الصحراء، حينما كنت ضابطا في صفوف الجيش كنت شاهدا مباشرا على الرشوة العامة التي كانت سائدة في أوساط الضباط السامين المقربين من الملك· أين كانت الامتيازات سائدة حتى في أوساط مدرسة الأركان في القنيطرة· لقد كانت هنالك دفعة خاصة من أربعين ضابطا كانت تعرف باسم ''دفعة علي بابا''، ولكن كان هنالك رجال في الجيش من الجندي البسيط إلى الضباط السامين من كان يتمتع بالنزاهة الفكرية والشرف·
وقد دفع هؤلاء إلى الثورة ضد النظام، حينما لاحظوا انتشار مظاهر الرشوة والفساد· وقد مثلت الثورات العسكرية لخيرات عام 1971 و16 أوت 1972 التي شاركت فيها مظهرا من مظاهر السخط أمام تبديد ثرواتنا وعلى عكس دول أخرى، فإن المغرب لا يعرف عمليات سطو للبنوك لأن السراق الكبار يدركون بأن مصدر الثراء السريع يمر عبر الحكم·
ألا تعتبرون بأن المملكة المغربية تتأثر بالنفوذ الفرنسي، وقد سبق أن ذكرتم في عهد الملك الراحل بأنها ''دمية'' في أيدي الفرنسيين؟
lتحت الاحتلال الفرنسي وبعد 20 سنة من الحروب الاستعمارية و45 سنة من المقاومة الشعبية، نرى بأن الاستقلال أجهض في .1956 فالاستقلال لم ينتقل إلى المقاومين والشعب بل نعيش نوعا من الحماية الجديدة· فالسيطرة الاستعمارية أخذت وقتها لتكوين إطاراتها في المجالات الأمنية والعسكرية والثقافية والإعلامية والسياسية لتسيير وحماية عهد الاستعمار الجديد· فالعسكريون الذين كونوا نواة الجيش لم يكونوا نزهاء فقد خدموا في جيوش الاحتلال الأجنبي وخاضوا حروب الهند الصينية وألمانيا وايطاليا والفيتنام· وقد كان للاستعمار الوقت لتكوين في مدارسه ترسانة من عوامل التقسيم والتهديم الثقافي والسياسي لضرب نظامنا المناعي·
أتذكر أن المغرب تحت حكم الحسن الثاني كان عبارة عن نظام شمولي، فالمعارضون كانوا يسقطون في عالم مظلم، مع سريان التعذيب، فضلا عن الأموال التي تم جمعها على غرار ما قام به نظام موبوتو؛ حيث كان نظام اقتطاع العشر سائدا على كافة النشاطات، في وقت سجل تفقير للطبقات الشعبية· وقد كانت الأنظمة الفرنسية سواء من اليمين أو اليسار تدعم مثل هذه الممارسات· وبعد وفاة والد الملك محمد السادس، طرحت سؤالا هل تستمر نفس الممارسات التعسفية؟
وفي الواقع أن عهد الملك محمد السادس لا يمثل إلا استمرارية لنظام العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، ولكن بأسلوب آخر· فالمرحلة الانتقالية من الحسن الثاني إلى ابنه حضّرت بمساهمة من اليهود·
كيف تقيمون الإصلاحات والتحوّلات السياسية التي يعرفها المغرب؟ ولماذا لم يعد أحمد رامي إلى المغرب على غرار معارضين آخرين؟ ما هي حدود دور الجيش، بعد التغييرات التي مست أبرز الوجوه من بينهم حميدو لعنيقري والجنرال قاديري؟
لقد اتّبع الملك محمد السادس نفس مسار والده وأجداده من الأسرة الملكية العلوية· لقد بدأ الحسن الثاني عهده بخطابات جميلة تربوية، ولكن في الواقع لم يقوما إلا بتدعيم سلطة شمولية فردية· أما الانتخابات والبرلمان والأحزاب، فإنها واجهة لتبييض وجه النظام· فالملك يحتفظ بكافة السلطات الأساسية للدولة الدفاع والداخلية والشؤون الخارجية الخ··· ولم يترك للبرلمان إلا صلاحيات شكلية، بل أن الوزير الأول لا ينحدر من الحزب الفائز بالانتخابات· أما الطبقة السياسية، فقد تم تدجينها· وعليه فإننا نبقى في حلقة مفرغة مع الانتقال من نظام لآخر·
و أعتبر أن النظام القائم لا يعبر عن إرادة الشعب بقدر ما يمثل مصالح القوى المسيطرة سواء من اليهود أو القوى الدولية· لكننا بحاجة إلى نظام ديمقراطي مختار ومنتخب مباشرة من الشعب؛ فالديمقراطية لا تنطبق مع النظام الشمولي والإقطاعي المبني على مبدأ تجاوزه الزمن، ويتمثل في توريث الحكم·
فالشرعية لا يمكن نقلها بالتوريث أو الوراثة· وفي الواقع نحن بحاجة إلى ثورة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية حقيقية، كما ذكرته في رسالتي إلى الملك محمد السادس:'' والواقع أن الأزمات الاجتماعية باتت أولوية الأولويات· لأنه في كـنـفها لم يـعـد ثمة فـائـدة تـرتجى من أي إجراءات ديمقراطية، أو محاولات لتوسيع المشاركة الشعبية وتفعيل المجتمع المدني· ولذلك فلا بد من البدء بإصلاح هذه الأوضاع، إصلاحا جذريا ينحو منحى الـثـورة لـتـغـيـيـر الخريطة الاجتماعية وتعديل تضاريسها وتشكيلاتها، وتقليص الفجوة الطبقية، ومكافحة الفساد، وإعادة بناء الأواصر التي تربط بين المواطن وبلده وبين الحاكم والمحكوم، وبين الإدارة والمجتمع، وبين الفئات الاجتماعية بعضها ببعض·· كل ذلك قبل إجراء انـتخابات، أو إصدار تشريعات جديدة لتنظيم الممارسات والأنشطة النقابية والبلدية والمحلية والحزبية والديمقراطية··· الخ·
لقد أدت الرزايا السابقة لتحويل الشعب المغربي إلى أسراب من المهاجرين، وأمواج من اللاجئين الباحثين عن أي بلد آخر ليعيشوا فيه متخلين عن جـذورهم وانتمائهم في وطنهم الأصلي· ولا يعقل أن تصبح صورة الشباب المغربي ـ الذي يشكل ثلاثة أرباع إجمالي سكانه ـ على ذلـك الـنحو·'' أما لماذا لم أعد إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، فإنه راجع لاعتقادي أنه لا يوجد في المغرب بعد ديمقراطية ودولة قانون تضمن الحق في الحياة والأمن لكافة المواطنين· رغم الدعاية والمظاهر، فان المغرب سجن كبير· لقد قام الملك محمد السادس بإطلاق سراح عدد من السجناء لتعويضهم بسجناء آخرين· وهناك قوى لا تزال تسير البلاد، فالجنرال لعنيقري وقاديري، إضافة إلى ادريس البصري، ليسوا رجال دولة، بل منفذين لسلطة الملك· وهذه الخاصية هي التي أهلتهم لكي يكونوا ضمن المخزن، إذ لم يكن لهؤلاء تأثير في الجيش· أما عن الجيش بعد محاولتي الانقلاب لسنتي 1971 و1972، وبعد مقتل الجنرال دليمي، فإن النظام لم يعد يثق في الجيش· لذلك تم إضعافه وتتم مراقبته عن قرب· وما هو مؤكد أن الأسس التي يتشكل بها الجيش سواء في المغرب أو الجزائر أو تركيا ليست منقطعة عن الشعب، وتمثل نفس التيارات السياسية والأيديولوجية التي تتواجد بالمجتمع· والتجربة في المغرب بينت أن الملكية، حتى وإن كانت دستورية، فإنها تتعارض مع الإسلام والديمقراطية والعصرنة·
طرحتم في كتاباتكم سؤالا حول من يحكم المغرب ، هل توصلتم إلى نتيجة؟
منذ اعتلاء النظام العلوي للحكم بمساعدة القوى الاستعمارية، فان الأجانب يسيرون البلاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة· ولم نعرف إلا انتقالا واحدا من الاستعمار إلى الاستعمار الجديد، فحينما شعر أجداد الملك بخطر الثورة في 1911 و1912 طلبوا مساعدة الأجنبي· ومن هنا جاء لفظ ''الحماية'' وبعد مقاومة دامت 40 سنة، تمت الاستعانة بالأجنبي مجددا بعد .1956 لقد نجح اليهود في تقسيم العالم العربي الإسلامي إلى كيانات صغيرة ويهدفون اليوم إلى تقسيمها مجددا إلى دويلات وكيانات مجهرية سهلة السيطرة والتلاعب بها وابتلاعها·
كيف تقرأون قرار الأمير مولاي الرشيد مغادرة المغرب؟ وماذا عن مواقف الأمير مولاي هشام ومواقف وزير الداخلية السابق ادريس البصري ؟
النظام الملكي يشكل عقبة في وجه الحرية والاستقلال· والملك هشام ينتمي لنفس النظام· واعتبر أن إسرائيل واللوبي اليهودي يعتقدون بأنهم بحاجة إلى حصان طروادة في المغرب وهم يحاولون تحضير هذه الشخصية الذي يعتبر من بين أصدقاء بيرنار كوشنار كبديل· أما البصري فإنه كان يمثل شرطيا للنظام والأهم ليس من يحكم البلاد، بل كيف يحكم فالديمقراطية والحرية يجب أن يحددا لا كمحتوى ولكن كمنهج؛ أي كقواعد للعبة الديمقراطية محددة بدستور يصاغ من قبل مجلس تأسيسي منتخب بصورة حرة ومباشرة من قبل الشعب· كما يتعين فتح محتويات البرامج السياسية والإيديولوجية للحكومات على التغيرات والنقاشات والاختيارات الأخرى، حسب إيديولوجياتهم ليختار المواطنون من خلال انتخابات حرة برامجهم وممثليهم· وبالتالي تطبيق هذه البرامج·
عودة إلى الوراء·· هل ندمتم على مشاركتكم في محاولتي الانقلاب ضد العاهل المغربي الملك الراحل الحسن الثاني خاصة؟
كل ما ندمت عليه اليوم هو أنني لم أنجح في قلب النظام ولم أستطع القيام بالمزيد من أجل الحرية وكرامة شعبنا· فقبل التحاقي بالأكاديمية العسكرية بمكناس في 1966 لأصبح ضابطا، كنت نشطا في صفوف الحركة الناصرية ·
وحينما كنت أستاذا في ثانوية محمد السادس وفاطمة الزهراء ما بين 1963 و1965 تم توقيفي وتعرضت للتعذيب لأنني تظاهرت ضد النظام · وبالتالي فإن هدفي الأساسي الذي ظل سرا حينما أصبحت ضابطا لم يكن تحقيق مسار عسكري بقدر ما كان محاولة قلب النظام الملكي·
تركزون على الدور اليهودي في صناعة القرار ، ولكن هنالك من يعتبر أن ذلك مبالغ فيه · فما رأيكم في ذلك ؟ والى أي مدى ينطبق ذلك في المغرب؟
حينما كنت في المغرب لاحظت بأنه بالإمكان انتقاد كل شيء إلا الذي بيده السلطة الفعلية: الملك· وحينما وصلت إلى السويد اكتشفت بأنه بالإمكان انتقاد الكل إلا من بأيديهم السلطة الفعلية: اليهود، فخلال عملية استنطاق أمام الشرطة بالدار البيضاء عام 1964 حينما تظاهرت ضد الملك، قال لي أحد أعوان الأمن ''هل تعتقد نفسك في السويد؟'' ولكن الآن أنا في هذا البلد فأحيانا هناك في الدساتير والقوانين حرية التعبير بشرط عدم استخدامها· وهناك أشخاص يدافعون عن حرية التعبير دون ممارستها عن خوف وبفعل الرقابة الذاتية· أما عن دور المستشارين اليهود للملك، فإنه يجب التذكير بأن القرارات والخطابات تحضر بطريقة أو بأخرى من قبل أندري أزولاي· وقد أوردت مجلة جون أفريك خلال زيارة الملك لفرنسا بأنه أعاد في المساء نفس الخطاب الذي قدمه أندري أزولاي في ندوته الصحفية في الصباح·
يشهد المغرب بروز تنظيمات مسلحة وأحداثا دامية، ما هي قراءتكم لهذه الأحداث؟
حينما تغيب الديمقراطية، ويفتقر النظام للشرعية الشعبية، وحينما تتصرف الدولة كقوة محتلة وتتعامل بردود أفعال أمنية، فإن هنالك شعورا بالاحتلال· وبالتالي يولد ذلك مقاومة· فالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ينذر بالانفجار في أية لحظة، ولا ينقص سوى الصاعق· والمسؤولون عن ذلك هم من تسببوا في إيجاد مثل هذه الظروف· فالمنفذون لتفجيرات 11 مارس لم يكونوا إلا صواعق وضحايا· فإذا عاشت السويد نفس الظروف، فإنها كانت ستواجه نفس المشاكل· إذن ما عايشناه في الدار البيضاء في 11 مارس 2007 لم يكن إلا أعراضا من بين أعراض أخرى للأزمة التي تعاني منها، وبدلا من التطرق للداء فإن السلطة تحاول استغلال الحادث لتحويل الأنظار· إن أمتنا الإسلامية معرضة للاعتداء والإهانة المستمرة من الغطرسة والاحتلال اليهودي، في وقت تعاني الشعوب الظلم والعنف من قبل ديكتاتوريات في خدمة الأعداء· فنحن محتلون في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان والصومال، بينما باقي الشعوب تعيش في معتقلات كبيرة· وهم محتلون سياسيا· لذلك فان المشكل يكمن في الأنظمة الشمولية التي تمثل موطن الداء· وأمام هذا الوضع، فإن الشباب لا يرى مخرجا ووسيلة ديمقراطية متحضرة للتغيير· فهذه الأنظمة تمارس أيضا إرهابا على الشعوب التي لا تمثلها· وما يدهشنا هو غياب روح المقاومة والتحدي لدى المجتمعات المدنية· وفي غياب الحرية، فإن مجتمعاتنا أضحت مثل الجثث الهامدة· أما في الإعلام المحسوب على الأنظمة، فإنها تطور نفاقا يرى العالم على غير حقيقية·
ما هي قراءتكم لكتاب ''ضباط صاحب الجلالة'' من أن قادة في الجيش المغربي استغلوا مرحلة من مراحل الحرب في الصحراء لمضاعفة نشاطاتهم في تجارة السلاح والمخدرات؟
حتى قبل حرب الصحراء، حينما كنت ضابطا في صفوف الجيش كنت شاهدا مباشرا على الرشوة العامة التي كانت سائدة في أوساط الضباط السامين المقربين من الملك· أين كانت الامتيازات سائدة حتى في أوساط مدرسة الأركان في القنيطرة· لقد كانت هنالك دفعة خاصة من أربعين ضابطا كانت تعرف باسم ''دفعة علي بابا''، ولكن كان هنالك رجال في الجيش من الجندي البسيط إلى الضباط السامين من كان يتمتع بالنزاهة الفكرية والشرف·
وقد دفع هؤلاء إلى الثورة ضد النظام، حينما لاحظوا انتشار مظاهر الرشوة والفساد· وقد مثلت الثورات العسكرية لخيرات عام 1971 و16 أوت 1972 التي شاركت فيها مظهرا من مظاهر السخط أمام تبديد ثرواتنا وعلى عكس دول أخرى، فإن المغرب لا يعرف عمليات سطو للبنوك لأن السراق الكبار يدركون بأن مصدر الثراء السريع يمر عبر الحكم·
ألا تعتبرون بأن المملكة المغربية تتأثر بالنفوذ الفرنسي، وقد سبق أن ذكرتم في عهد الملك الراحل بأنها ''دمية'' في أيدي الفرنسيين؟
lتحت الاحتلال الفرنسي وبعد 20 سنة من الحروب الاستعمارية و45 سنة من المقاومة الشعبية، نرى بأن الاستقلال أجهض في .1956 فالاستقلال لم ينتقل إلى المقاومين والشعب بل نعيش نوعا من الحماية الجديدة· فالسيطرة الاستعمارية أخذت وقتها لتكوين إطاراتها في المجالات الأمنية والعسكرية والثقافية والإعلامية والسياسية لتسيير وحماية عهد الاستعمار الجديد· فالعسكريون الذين كونوا نواة الجيش لم يكونوا نزهاء فقد خدموا في جيوش الاحتلال الأجنبي وخاضوا حروب الهند الصينية وألمانيا وايطاليا والفيتنام· وقد كان للاستعمار الوقت لتكوين في مدارسه ترسانة من عوامل التقسيم والتهديم الثقافي والسياسي لضرب نظامنا المناعي·
Commentaire