عبدالسلام بنعيسي كاتب وصحفي مغربي
2021 .04.01
أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمفاوضات السياسية بين المغرب وجبهة البوليساريو، حول الصحراء الغربية. جاء ذلك في بيان أصدره مكتب وزير الخارجية الأمريكي مساء الاثنين الفائت، عقب اجتماع مغلق عبر دائرة تليفزيونية بين بلينكن، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وذكر البيان أن بلينكن حثَّ غوتيريش على الإسراع بتعيين مبعوث شخصي جديد للصحراء.
باستثناء موقع (( لكم)) الذي تناول البيان المذكور، لم تولِ الصحافة والمواقع الإلكترونية المغربية أهمية قصوى لهذا البيان. لقد وقع تجاهله من طرف الإعلام المغربي. ولاشك في أن هذا التجاهل كان متعمدا ومقصودا. فهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها وزارة الخارجية الأمريكية في عهد جون بايدن عن وجهة نظرها بخصوص الأقاليم الصحراوية المغربية، وكان المتوقع، بالنسبة للمغاربة، هو إعلان تأكيد الإدارة الأمريكية الحالية الاعتراف بمغربية الصحراء، على غرار ما كان قد أعلن عنه دونالد ترامب سابقا، فهذا هو ما كان منتظرا مغربيا على أحرٍّ من الجمر..
لكن الدعوة إلى إجراء مفاوضات سياسية بين المغرب وجبهة البوليساريو، جاءت رياحها عكس ما تشتهيه السفن المغربية، فالدعوة قد تفيد بأن أمريكا لا تراعي العلاقات التاريخية التي لديها مع المغرب، ولا تُعامِلهُ معاملة الصديق والحليف، والذي يحظى بمكانة متميزة لديها، كما يروج لذلك الخطاب الرسمي المغربي، الخطاب الذي لا يفتأ يفتخر، بمناسبة أو بدونها، بكون المغرب كان أول دولة في العالم تعترف باستقلال أمريكا سنة 1977م، وأنه ناصرها في أحداث ووقائع عديدة، وأنه كان دائما من حلفائها.
تشير الدعوة لإجراء المفاوضات إياها، إلى أن أمريكا تضع المغرب في كفَّةٍ واحدة، مع البوليساريو المكونة من مجموعة من الأشخاص الذين تصفهم الرباط بالانفصاليين، وتنعتهم بالمرتزقة والمارقين، ومثيري الشغب والفتنة، والمُغرَّرِ بهم، وترفض الجلوس معهم على طاولة المفاوضات، ولا تقبل إطلاقا الاعتراف بهم ممثلين لسكان الصحراء المغربية..
لا يمكن لهذه الدعوة الصادرة عن أنتوني بلينكن أن تلقى هوى أو قبولا لدى الخارجية المغربية. من المحتمل جدا أنها دعوة قد تثير في نفوس الدبلوماسيين المغاربة خيبة الأمل، والامتعاض، والقلق، وأيضا الغضب. من خلال دعوة المغرب للجلوس مع البوليساريو على طاولة المفاوضات، تُعامِلُ الإدارة الأمريكية البوليساريو، وكأنها ندٌّ للمغرب، وأنها الجهة الوحيدة التي يتوجَّبُ على الرباط العمل معها، من أجل إيجاد الحل المناسب للنزاع القائم حول الأقاليم الصحراوية.
خيارُ الحكم الذاتي، كخيار واقعي وذي مصداقية، والذي كان من اقتراح المغرب، وساندته وتبنَّتهُ واشنطن في عهد ترامب، هذا الخيارُ، تراجع، وربما تبخَّر، ووقع استبداله، مع الإدارة الجديدة، بالدعوة لتفاوض مغربي مباشر مع البوليساريو التي ترفض رفضا باتا الحكم الذاتي، وتُصرُّ على إجراء الاستفتاء لتقرير المصير، رغم استحالة تحديد الجسم الانتخابي المؤهل للمشاركة في التصويت في الاستفتاء، حيث كل جهة، سواء المغرب أو البوليساريو، تتهم الأخرى بأنها تسعى للنفخ في عدد الذين يحقّ لهم التسجيل في اللوائح الانتخابية للتصويت في الاستفتاء، على أساس أن يكونوا من الموالين لها، لكي تحسم النتيجة لصالحها مسبقا..
إذا تمَّ فعلا التخلي الأمريكي عن دعم الحكم الذاتي المقترح من جانب المغرب، ألا يُشكِّلُ هذا التخلي تراجعا أمريكيا عن الصفقة المبرمة مع إدارة ترامب، بما فيها الاعتراف بمغربية الصحراء؟ وإذا مضينا في التشاؤم إلى أقصى مدى له، ألا يجوز لنا التساؤل، هل نحن أمام دعوةٍ أمريكية منحازةٍ للطرح الجزائري، وتصبغُ نوعا من الاعتراف الأمريكي، غير المباشر، بالبولساريو؟ وهل نحن أمام انتقام أمريكي من المغرب بسبب توقيعه على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء في أوج الحملة الانتخابية الأمريكية الأمر الذي فُسِّر بأنه دعاية للتصويت من جانب المغرب لفائدة دونالد ترامب، وجاء وقت أدائه الثمن، كما جرى مع روسيا والإمارات والسعودية؟
وحين يذكر بيان وزارة الخارجية الأمريكية أن بلينكن يحثُّ غوتيريش على الإسراع بتعيين مبعوث شخصي جديد للصحراء، ألا يفيد هذا التذكير بأن واشنطن قد أعادت ملف الأقاليم الصحراوية من جديد إلى عُهدة الأمم المتحدة، وأنها تقول بصيغة دبلوماسية ملتوية بأنه ملفٌّ ليس من ضمن أولوياتها، وأن التفاوض حوله يتعين أن يكون تحت إشراف أممي، وأن مساهمتها في حلٍّه ستتِمُّ في هذا الإطار، وليس كما كان متوقعا من المغاربة، أي وفقا، للاعتراف الأمريكي السابق بمغربية الصحراء، وفي سياق الحكم الذاتي المقترح من المغاربة..؟؟
لا جدال في أن الإدارة الأمريكية لم تقم لحد الساعة بسحْبٍ صريحٍ ومباشرٍ لاعترافها بمغربية الصحراء، لكن الصحيح أيضا هو أن ذات الإدارة لم تبادر إلى تجديد هذا الاعتراف، وقد يكون عدمُ سحبِ الاعتراف، بشكل فاضح، تجنُّبا، لإثارة سخط المغاربة، والدخول في أزمة سياسية مع الرباط، ولكي لا تبدو وكأنها إدارة تنكث بالعهود المبرمة مع سابقاتها، وقد يكون السبب الرئيسي هو أن البيت الأبيض لا يريد تقديم مبادرة سحب الاعتراف بمغربية الصحراء، هدية للجزائر، هكذا بالمجان.
الإدارة الأمريكية تُفضِّلُ اللعب على حبل الصراع القائم بين الدولتين الجارتين المغرب والجزائر، ومن مصلحتها أن تخلق الانطباع عند كل واحدة منهما بأنها معها وإلى جانبها، ولكنها في الواقع ليست، لا مع هذه الدولة، ولا مع تلك، وإنما مع مصلحتها المتمثلة في ترك الخلاف قائما بين الطرفين، تركُهُ يتعمق ويستفحل، ويظل وسيلة للتحكم فيهما معا، ولتأبيد السيطرة على المنطقة.
وتندرج في هذا السياق المناورات العسكرية التي تقيمها القوات الأمريكية هنا وهناك بالمنطقة المغاربية، والنفقات الباهظة التي تخصِّصُها الدولتان لاقتناء الأسلحة. ونتيجة لما سبق، ليس في الأمر مبالغة القول، إن منطقة المغرب العربي، بسبب قضية الصحراء الغربية، وفشل النخبة المغاربية في حلِّها، باتت اليوم رهينة في أيدي الأمريكان، والفرنسيين والصهاينة. نقولها وفي الحلق والقلب مرارة
2021 .04.01
أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمفاوضات السياسية بين المغرب وجبهة البوليساريو، حول الصحراء الغربية. جاء ذلك في بيان أصدره مكتب وزير الخارجية الأمريكي مساء الاثنين الفائت، عقب اجتماع مغلق عبر دائرة تليفزيونية بين بلينكن، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وذكر البيان أن بلينكن حثَّ غوتيريش على الإسراع بتعيين مبعوث شخصي جديد للصحراء.
باستثناء موقع (( لكم)) الذي تناول البيان المذكور، لم تولِ الصحافة والمواقع الإلكترونية المغربية أهمية قصوى لهذا البيان. لقد وقع تجاهله من طرف الإعلام المغربي. ولاشك في أن هذا التجاهل كان متعمدا ومقصودا. فهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها وزارة الخارجية الأمريكية في عهد جون بايدن عن وجهة نظرها بخصوص الأقاليم الصحراوية المغربية، وكان المتوقع، بالنسبة للمغاربة، هو إعلان تأكيد الإدارة الأمريكية الحالية الاعتراف بمغربية الصحراء، على غرار ما كان قد أعلن عنه دونالد ترامب سابقا، فهذا هو ما كان منتظرا مغربيا على أحرٍّ من الجمر..
لكن الدعوة إلى إجراء مفاوضات سياسية بين المغرب وجبهة البوليساريو، جاءت رياحها عكس ما تشتهيه السفن المغربية، فالدعوة قد تفيد بأن أمريكا لا تراعي العلاقات التاريخية التي لديها مع المغرب، ولا تُعامِلهُ معاملة الصديق والحليف، والذي يحظى بمكانة متميزة لديها، كما يروج لذلك الخطاب الرسمي المغربي، الخطاب الذي لا يفتأ يفتخر، بمناسبة أو بدونها، بكون المغرب كان أول دولة في العالم تعترف باستقلال أمريكا سنة 1977م، وأنه ناصرها في أحداث ووقائع عديدة، وأنه كان دائما من حلفائها.
تشير الدعوة لإجراء المفاوضات إياها، إلى أن أمريكا تضع المغرب في كفَّةٍ واحدة، مع البوليساريو المكونة من مجموعة من الأشخاص الذين تصفهم الرباط بالانفصاليين، وتنعتهم بالمرتزقة والمارقين، ومثيري الشغب والفتنة، والمُغرَّرِ بهم، وترفض الجلوس معهم على طاولة المفاوضات، ولا تقبل إطلاقا الاعتراف بهم ممثلين لسكان الصحراء المغربية..
لا يمكن لهذه الدعوة الصادرة عن أنتوني بلينكن أن تلقى هوى أو قبولا لدى الخارجية المغربية. من المحتمل جدا أنها دعوة قد تثير في نفوس الدبلوماسيين المغاربة خيبة الأمل، والامتعاض، والقلق، وأيضا الغضب. من خلال دعوة المغرب للجلوس مع البوليساريو على طاولة المفاوضات، تُعامِلُ الإدارة الأمريكية البوليساريو، وكأنها ندٌّ للمغرب، وأنها الجهة الوحيدة التي يتوجَّبُ على الرباط العمل معها، من أجل إيجاد الحل المناسب للنزاع القائم حول الأقاليم الصحراوية.
خيارُ الحكم الذاتي، كخيار واقعي وذي مصداقية، والذي كان من اقتراح المغرب، وساندته وتبنَّتهُ واشنطن في عهد ترامب، هذا الخيارُ، تراجع، وربما تبخَّر، ووقع استبداله، مع الإدارة الجديدة، بالدعوة لتفاوض مغربي مباشر مع البوليساريو التي ترفض رفضا باتا الحكم الذاتي، وتُصرُّ على إجراء الاستفتاء لتقرير المصير، رغم استحالة تحديد الجسم الانتخابي المؤهل للمشاركة في التصويت في الاستفتاء، حيث كل جهة، سواء المغرب أو البوليساريو، تتهم الأخرى بأنها تسعى للنفخ في عدد الذين يحقّ لهم التسجيل في اللوائح الانتخابية للتصويت في الاستفتاء، على أساس أن يكونوا من الموالين لها، لكي تحسم النتيجة لصالحها مسبقا..
إذا تمَّ فعلا التخلي الأمريكي عن دعم الحكم الذاتي المقترح من جانب المغرب، ألا يُشكِّلُ هذا التخلي تراجعا أمريكيا عن الصفقة المبرمة مع إدارة ترامب، بما فيها الاعتراف بمغربية الصحراء؟ وإذا مضينا في التشاؤم إلى أقصى مدى له، ألا يجوز لنا التساؤل، هل نحن أمام دعوةٍ أمريكية منحازةٍ للطرح الجزائري، وتصبغُ نوعا من الاعتراف الأمريكي، غير المباشر، بالبولساريو؟ وهل نحن أمام انتقام أمريكي من المغرب بسبب توقيعه على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء في أوج الحملة الانتخابية الأمريكية الأمر الذي فُسِّر بأنه دعاية للتصويت من جانب المغرب لفائدة دونالد ترامب، وجاء وقت أدائه الثمن، كما جرى مع روسيا والإمارات والسعودية؟
وحين يذكر بيان وزارة الخارجية الأمريكية أن بلينكن يحثُّ غوتيريش على الإسراع بتعيين مبعوث شخصي جديد للصحراء، ألا يفيد هذا التذكير بأن واشنطن قد أعادت ملف الأقاليم الصحراوية من جديد إلى عُهدة الأمم المتحدة، وأنها تقول بصيغة دبلوماسية ملتوية بأنه ملفٌّ ليس من ضمن أولوياتها، وأن التفاوض حوله يتعين أن يكون تحت إشراف أممي، وأن مساهمتها في حلٍّه ستتِمُّ في هذا الإطار، وليس كما كان متوقعا من المغاربة، أي وفقا، للاعتراف الأمريكي السابق بمغربية الصحراء، وفي سياق الحكم الذاتي المقترح من المغاربة..؟؟
لا جدال في أن الإدارة الأمريكية لم تقم لحد الساعة بسحْبٍ صريحٍ ومباشرٍ لاعترافها بمغربية الصحراء، لكن الصحيح أيضا هو أن ذات الإدارة لم تبادر إلى تجديد هذا الاعتراف، وقد يكون عدمُ سحبِ الاعتراف، بشكل فاضح، تجنُّبا، لإثارة سخط المغاربة، والدخول في أزمة سياسية مع الرباط، ولكي لا تبدو وكأنها إدارة تنكث بالعهود المبرمة مع سابقاتها، وقد يكون السبب الرئيسي هو أن البيت الأبيض لا يريد تقديم مبادرة سحب الاعتراف بمغربية الصحراء، هدية للجزائر، هكذا بالمجان.
الإدارة الأمريكية تُفضِّلُ اللعب على حبل الصراع القائم بين الدولتين الجارتين المغرب والجزائر، ومن مصلحتها أن تخلق الانطباع عند كل واحدة منهما بأنها معها وإلى جانبها، ولكنها في الواقع ليست، لا مع هذه الدولة، ولا مع تلك، وإنما مع مصلحتها المتمثلة في ترك الخلاف قائما بين الطرفين، تركُهُ يتعمق ويستفحل، ويظل وسيلة للتحكم فيهما معا، ولتأبيد السيطرة على المنطقة.
وتندرج في هذا السياق المناورات العسكرية التي تقيمها القوات الأمريكية هنا وهناك بالمنطقة المغاربية، والنفقات الباهظة التي تخصِّصُها الدولتان لاقتناء الأسلحة. ونتيجة لما سبق، ليس في الأمر مبالغة القول، إن منطقة المغرب العربي، بسبب قضية الصحراء الغربية، وفشل النخبة المغاربية في حلِّها، باتت اليوم رهينة في أيدي الأمريكان، والفرنسيين والصهاينة. نقولها وفي الحلق والقلب مرارة