في سياق التعليق على أشغال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن يوم 21 أبريل الجاري حول قضية الصحراء الغربية، وصف محمد صالح التامك المدير العام لإدارة السجون بالمغرب الموقف الأمريكي بالمخيب لآمال المغاربة، وانتقد التامك الدور الذي اضطلعت به الولايات المتحدة الأمريكية في المفاوضات حول نزاع الصحراء خلال هذا الاجتماع، قائلا: لم يكن في مستوى آمالنا المنطقية والمشروعة
كشف محمد صالح التامك الذي سبق له أن شغل منصب مدير ديوان بوزارة الداخلية وسفير للمملكة في النرويج وفنلاندا (( أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب حلا لقضية الصحراء هو فكرة أمريكية عرضها عليه لأول مرة ويليام ايغلتون المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء خلال الفترة من 1999 إلي 2003))، ويليام ايغلتون الذي شغل منصب أول سفير لبلاده في موريتانيا مباشرة عقب استقلالها
وأضاف التامك (( من المشين أن قوة عسكرية مثل الولايات المتحدة، قادرة على رصد أدنى تحرك مشبوه يقوم به الانفصاليون في المنطقة، تتعامل مع دولة مارقة مثل الجزائر وأتباعها من مرتزقة البوليساريو – اللذين يتحرشان بالدول المجاورة، مثل ليبيا وتونس ومالي وموريتانيا – على قدم المساواة مع حليف تقليدي مثل المغرب)) مشيرا إلى أن (( المبعوثين الشخصيين السابقين للأمين العام للأمم المتحدة، وكلاهما من جنسية أمريكية، جيمس بيكر بمخططاته المختلفة العقيمة، وكريستوفر روس بمناوراته التسويفية، كانا بالكاد يخفيان تحيزهما لصالح الأطراف الأخرى)). وخلُص محمد صالح التامك إلى القول متحسرا (( إنه من المخيب للآمال أن الولايات المتحدة، عوض أن تُشجع على إيجاد حلٍّ للنزاع، فإنها تسعى في الواقع إلى إدامته
نحن أمام كلام خطير للغاية صادرٍ عن موظف مغربي سامٍ، يعرف ملفَّ الصحراء معرفة جيدة، ومُطَّلعٌ عليه بكل تفاصيله، إذ سبق له أن كان واحدا من ضمن شيوخ القبائل المكلفين بتحديد هوية الجسم الانتخابي الذي يحق له التصويت في الاستفتاء الذي كان مزمعا تنظيمه في الأقاليم الصحراوية، ولكن تعذّر إجراؤه، بسبب الفشل في الاتفاق على لوائح الذين يجوز لهم التصويت في الاستفتاء
ولاشك أن الرجل لا يطلق الكلام على عواهنه، إنه يُقدِّر العبارات التي تصدر عنه حقَّ قدرها، فلقد تعرض بسبب نشاطه السياسي وهو شابٌّ للاعتقال في سنوات الرصاص، أي أننا مع مسؤول مغربي متمرّسٍّ سياسيا، وواضح أنه لم يدل بهذا التصريح باجتهاد شخصي منه، بل يبدو أنه مكلّفٌ من الجهات العليا للإدلاء به، فنحن إذن إزاء تصريح من التامك، ولكنه في الواقع، تصريحٌ يُعبِّرُ عن قلقٍ مغربي رسمي من الموقف الأمريكي في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، بل قد يكشف التصريح عن ضجرٍ مغربي من سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الأقاليم الصحراوية المغربية
لقد اعترفت واشنطن بمغربية الصحراء في عهد دونالد ترامب، وباركت مخطط الحكم الذاتي المُوسَّعِ كمشروعٍ لحل المشكل القائم في الصحراء المغربية، وبالمقابل بادر المغرب إلى تطبيع علاقاته بالدولة العبرية ، كنا أمام صفقة الاعتراف بمغربية الصحراء نظير التطبيع المغربي مع إسرائيل، (الصحراء مقابل فلسطين ) لكن عندما خلف جون بايدن سابقه دونالد ترامب، سكتت الإدارة الأمريكية الجديدة عن الاعتراف الأمريكي السابق بمغربية الصحراء وبالحكم الذاتي، بل إن ممثليها لم يتطرقوا خلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن إلى قرار اعتراف بلادهم بسيادة المغرب على الصحراء إطلاقا
ماذا يعني هذا، ولماذا انبرى محمد صالح التامك للإعلان عن هذا التصريح الغاضب؟ ألا يفيد كل ذلك أن الصفقة التي أبرمها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية قد أُجهضت من طرف الأمريكيين؟ حين لا يتمُّ التذكير من جانبهم، في اجتماع لمجلس الأمن عُقد للتداول في شأن ملف الصحراء، باعترافهم بمغربية الصحراء، ولا يتبنون هذا الاعتراف ويدافعون عنه، ويسعون لإقناع باقي الأطراف الحاضرة في الاجتماع به، ألا يشير ذلك إلى أنهم تحللوا من اعترافهم هذا وتخلوا عنه، وأنهم، لأسباب تخُصُّهم، يتحاشون الإعلان عن ذلك
إذا تخلى الأمريكيون عن اعترافهم بمغربية الصحراء وبالحكم الذاتي كإطار وحيد لطيِّ الملف دون الإعلان عن تخلِّيهم، فهل سيُرضي هذا التصرف الدبلوماسية المغربية؟ هل يقنعها عدم الإعلان الأمريكي المكشوف عن سحب الاعتراف وتكتفي به؟ ألا تتعاطى دبلوماسيتنا بموقفها هذا مع الإدارة الأمريكية من موقع الضعيف والمحشور في الزاوية، والتي لا تملك أي خيار اتجاه واشنطن سوى الرضوخ لمشيئتها
هل يتماشى هذا التصرف مع عدالة قضية المغرب المتمثلة في استرجاعه لجزء من أرضه من الاستعمار الإسباني؟ هل لا تملك الرباط أدواتٍ لتوظيفها والضغط بها على واشنطن بما يُجبرها على الخروج عن صمتها والإعلان الصريح عن موقفها المؤيد لمغربية الصحراء كما التزم بذلك الرئيس الأمريكي السابق
...
...
عبدالسلام بنعيسي كاتب وصحفي مغربي
كشف محمد صالح التامك الذي سبق له أن شغل منصب مدير ديوان بوزارة الداخلية وسفير للمملكة في النرويج وفنلاندا (( أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب حلا لقضية الصحراء هو فكرة أمريكية عرضها عليه لأول مرة ويليام ايغلتون المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء خلال الفترة من 1999 إلي 2003))، ويليام ايغلتون الذي شغل منصب أول سفير لبلاده في موريتانيا مباشرة عقب استقلالها
وأضاف التامك (( من المشين أن قوة عسكرية مثل الولايات المتحدة، قادرة على رصد أدنى تحرك مشبوه يقوم به الانفصاليون في المنطقة، تتعامل مع دولة مارقة مثل الجزائر وأتباعها من مرتزقة البوليساريو – اللذين يتحرشان بالدول المجاورة، مثل ليبيا وتونس ومالي وموريتانيا – على قدم المساواة مع حليف تقليدي مثل المغرب)) مشيرا إلى أن (( المبعوثين الشخصيين السابقين للأمين العام للأمم المتحدة، وكلاهما من جنسية أمريكية، جيمس بيكر بمخططاته المختلفة العقيمة، وكريستوفر روس بمناوراته التسويفية، كانا بالكاد يخفيان تحيزهما لصالح الأطراف الأخرى)). وخلُص محمد صالح التامك إلى القول متحسرا (( إنه من المخيب للآمال أن الولايات المتحدة، عوض أن تُشجع على إيجاد حلٍّ للنزاع، فإنها تسعى في الواقع إلى إدامته
نحن أمام كلام خطير للغاية صادرٍ عن موظف مغربي سامٍ، يعرف ملفَّ الصحراء معرفة جيدة، ومُطَّلعٌ عليه بكل تفاصيله، إذ سبق له أن كان واحدا من ضمن شيوخ القبائل المكلفين بتحديد هوية الجسم الانتخابي الذي يحق له التصويت في الاستفتاء الذي كان مزمعا تنظيمه في الأقاليم الصحراوية، ولكن تعذّر إجراؤه، بسبب الفشل في الاتفاق على لوائح الذين يجوز لهم التصويت في الاستفتاء
ولاشك أن الرجل لا يطلق الكلام على عواهنه، إنه يُقدِّر العبارات التي تصدر عنه حقَّ قدرها، فلقد تعرض بسبب نشاطه السياسي وهو شابٌّ للاعتقال في سنوات الرصاص، أي أننا مع مسؤول مغربي متمرّسٍّ سياسيا، وواضح أنه لم يدل بهذا التصريح باجتهاد شخصي منه، بل يبدو أنه مكلّفٌ من الجهات العليا للإدلاء به، فنحن إذن إزاء تصريح من التامك، ولكنه في الواقع، تصريحٌ يُعبِّرُ عن قلقٍ مغربي رسمي من الموقف الأمريكي في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، بل قد يكشف التصريح عن ضجرٍ مغربي من سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الأقاليم الصحراوية المغربية
لقد اعترفت واشنطن بمغربية الصحراء في عهد دونالد ترامب، وباركت مخطط الحكم الذاتي المُوسَّعِ كمشروعٍ لحل المشكل القائم في الصحراء المغربية، وبالمقابل بادر المغرب إلى تطبيع علاقاته بالدولة العبرية ، كنا أمام صفقة الاعتراف بمغربية الصحراء نظير التطبيع المغربي مع إسرائيل، (الصحراء مقابل فلسطين ) لكن عندما خلف جون بايدن سابقه دونالد ترامب، سكتت الإدارة الأمريكية الجديدة عن الاعتراف الأمريكي السابق بمغربية الصحراء وبالحكم الذاتي، بل إن ممثليها لم يتطرقوا خلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن إلى قرار اعتراف بلادهم بسيادة المغرب على الصحراء إطلاقا
ماذا يعني هذا، ولماذا انبرى محمد صالح التامك للإعلان عن هذا التصريح الغاضب؟ ألا يفيد كل ذلك أن الصفقة التي أبرمها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية قد أُجهضت من طرف الأمريكيين؟ حين لا يتمُّ التذكير من جانبهم، في اجتماع لمجلس الأمن عُقد للتداول في شأن ملف الصحراء، باعترافهم بمغربية الصحراء، ولا يتبنون هذا الاعتراف ويدافعون عنه، ويسعون لإقناع باقي الأطراف الحاضرة في الاجتماع به، ألا يشير ذلك إلى أنهم تحللوا من اعترافهم هذا وتخلوا عنه، وأنهم، لأسباب تخُصُّهم، يتحاشون الإعلان عن ذلك
إذا تخلى الأمريكيون عن اعترافهم بمغربية الصحراء وبالحكم الذاتي كإطار وحيد لطيِّ الملف دون الإعلان عن تخلِّيهم، فهل سيُرضي هذا التصرف الدبلوماسية المغربية؟ هل يقنعها عدم الإعلان الأمريكي المكشوف عن سحب الاعتراف وتكتفي به؟ ألا تتعاطى دبلوماسيتنا بموقفها هذا مع الإدارة الأمريكية من موقع الضعيف والمحشور في الزاوية، والتي لا تملك أي خيار اتجاه واشنطن سوى الرضوخ لمشيئتها
هل يتماشى هذا التصرف مع عدالة قضية المغرب المتمثلة في استرجاعه لجزء من أرضه من الاستعمار الإسباني؟ هل لا تملك الرباط أدواتٍ لتوظيفها والضغط بها على واشنطن بما يُجبرها على الخروج عن صمتها والإعلان الصريح عن موقفها المؤيد لمغربية الصحراء كما التزم بذلك الرئيس الأمريكي السابق
...
...
عبدالسلام بنعيسي كاتب وصحفي مغربي
Commentaire